رنيم الحب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رنيم الحب

نلتقي لنرتقي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 وحدة القصيدة في نقد القرطاجَني ـــ خليل الموسى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المبرمج يوسف
مشرف عام
مشرف عام



المساهمات : 16
تاريخ التسجيل : 15/03/2011
العمر : 30
الموقع : vipj.wwooww.net

وحدة القصيدة في نقد القرطاجَني ـــ خليل الموسى Empty
مُساهمةموضوع: وحدة القصيدة في نقد القرطاجَني ـــ خليل الموسى   وحدة القصيدة في نقد القرطاجَني ـــ خليل الموسى Icon_minitime1الأربعاء يوليو 06, 2011 12:35 pm

وحدة القصيدة في نقد القرطاجَني ـــ خليل الموسى



وحدة القصيدة في نقد القرطاجَني ـــ خليل الموسى

حازم القرطاجني (608 ـ 684 هـ)‏

هو أبو الحسن حازم بن محمد بن حسن بن حازم القرطاجني (608 ـ 684 هـ)، أديب ناقد وله شعر، من أهل قرطاجنة (بشرقي الأندلس)، تعلم هناك وأخذ عن علماء غرناطة وأشبيلية، ثم انتقل إلى مراكش ومنها إلى تونس فاشتهر بها وعمّر وتوفي هناك. من أهم كتبه "سراج البلغاء" طبع باسم "منهاج البلغاء وسراج الأدباء"، قام بتحقيقه والتقديم له محمد الحبيب ابن الخوجة، طبع أول مرة في المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية 1966، ثم طبع طبعة ثانية في دار الغرب الإسلامي ببيروت سنة 1981، ويعد هذا الكتاب من الكتب البلاغية النقدية الهامة في تراثنا، وفيه مسائل تقدم بها على معاصريه، وبخاصة "وحدة القصيدة"، وله ديوان شعر طبع مرتين، كانت الطبعة الأولى في بيروت بمطبعة عيتاني الجديدة سنة 1964 وتحقيق عثمان الكعاك، ثم طبع في تونس سنة 1972 بتحقيق د. محمد الحبيب ابن الخوجة تحت عنوان "قصائد ومقطعات". وهو متأثر بالمتنبي ولكن شعره أقرب إلى شعر العلماء.‏

ينظر في ترجمته:‏

ـ المقري ـ نفح الطيب ـ تحقيق د. إحسان عباس ـ بلا مكان ـ 1968 م ـ 2 / 589.‏

ـ السيوطي ـ بغية الوعاة ـ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ـ مصر ـ البابي الحلبي ـ ط 1 ـ 1964 م ـ 1 / 491 ـ 292.‏

ـ الحنبلي ـ شذرات الذهب ـ بيروت ـ المكتب التجاري ـ د. ت ـ 5 / 387 ـ 388.‏

ـ الزركلي ـ الأعلام ـ بيروت ـ دار العلم للملايين ـ ط 6 ـ 1984 م ـ 2 / 159.‏

ـ ابن الخوجة، محمد الحبيب ـ مدخل (منهاج البلغاء وسراج الأدباء).‏

يتألف مصطلح "الوحدة العضوية" "Unite Organique" من جزأين: "الوحدة" "Unite"، وهي ميزة ما هو واحد مهما تكن مفهومات هذه الكلمة (1)، و"العضوية" "Organique"، وهي نعت تعريفي وصفي يطلق على ما هو مركب من أجزاء تتكامل بوظائفها المختلفة الجلية والمرتبة. و"كل عضوي" كلمة، في هذا المعنى، مرادفة للمنظم (2)، والوحدة العضوية ذروة تضاد العناصر المختلفة وتضامنها (3).‏

وأهم شروط العمل الفني أن يتوافر فيه الشكل العضوي، وهذا ما اشترطه معظم النقاد، ومنهم أرسطو الذي عدَّ وحدة العمل الفني شرطاً من شروط جودته (4)، وربط كولردج "Coleridge" (1772 ـ 1834) العقل البشري الذي يشبه الكائن العضوي (5)، بطبيعة الأدب الذي تجتمع العناصر فيه لتكون وحدة أكبر من مجموعة الأجزاء المتفرقة (6)، وذهب في تعريف القصيدة إلى أنه "لابد أن تكون بحيث تتساند أجزاؤها فيما بينها، ويفسر بعضها بعضاً، وتتساند جميعها وتنسجم كل على قدره مع الغرض والتأثيرات المعروفة للنظام العروضي" (7).‏

والوحدة العضوية ذات كيان حي نام، ونموها تدريجي عفوي يشبه نمو الأجسام الحية، وهو ناشئ عن قوة مركزية داخلية تصدر من باطن الكائن الحي وتتحرك في اتجاه الأطراف والأعضاء من خلال دفقات تلون النواحي والأجزاء بلون واحد، وهي وحدة وظيفية، فلكل عنصر وظيفة غير منفصلة عن وظائف العناصر الأخرى، وينجم عنها تكامل العمل ونموه وتوضيحه، وهي وحدة تقوم على صهر عناصرها التي تنحل بعضها في بعض، أو كما يقول "كروتشه" (: "إن الفكرة تنحل بكاملها في التصور، كانحلال قطعة السكر التي تذوب في قدح الماء، فتبقى فيه، وتظل وتفعل في كل ذرة من ذراته، ولكن لا يمكن أن يعثر عليها في صورة قطعة من السكر".‏

أما وحدة الموضوع فمفادها أن تتناول القصيدة موضوعاً واحداً لا تتجاوزه إلى غيره، كان تكون في الغزل أو الرثاء أو في قصة شعرية كاملة، على خلاف بعض شعرنا الذي يستوحي نموذج الهيكل القديم، وقد يكون للغناء دور في قصر القصيدة واقتصارها على موضوع واحد.‏

ويبدو للباحث مما سبق أو وحدة الموضوع غير الوحدة العضوية، فهما مفهومان مختلفان اختلافاً بيناً، فالوحدة العضوية مفهوم درامي يصلح للقصيدة ذات الحدث والحكاية والتي تقوم على الشخوص وفي حدثها تصاعد ونمو، ولذلك اختلط هذا المفهوم على نقاد الشعر الغنائي، وازداد اختلاطه حين كانوا يظنون أن الشعر الرومانسي الأوروبي الغنائي شبيه بشعرنا ، والحقيقة أن الشعر الرومانسي أعلى من الغنائية ولكن لم يخل من العناصر الدرامية، فكان شعرهم الغنائي مقترناً بالنزعة الدرامية، ولذلك كان من الخطأ أن نطبق هذا المفهوم على نقدنا القديم لولا أن حازماً كان معجباً بأرسطو وقد تطرق إلى هذا الموضوع في كتابه "منهاج الأدباء وسراج البلغاء" تأثيراً كبير وعلى الرغم من سوء ترجمة "فن الشعر"، فقد ظل لأرسطو تأثيرٌ في نقدنا القديم، فعد نقاد العرب وفلاسفتهم أرسطو معلماً لهم، وأغرموا به "وقبلوا تفكيره، وانتفعوا به عندما انكبوا على تدوين علومهم" (9)، وخصوه بأسماء تدل على مكانته عندهم مثل "المعلم الأول" و"الحكيم" (10)، وربما كان القرطاجني أكثر النقاد القدامى تأثراً بأرسطو، فقد ألمَّ بفلسفات سقراط وأفلاطون وأرسطو من خلال الترجمات العربية وبخاصة ترجمة ابن سينا (11)، وإطلاع حازم على كتاب" فن الشعر" وواضح في "المنهاج"، يقول محمد الحبيب ابن الخوجة (12): "ومن ينظر في تعريف حازم للشعر وبحثه في مقوماته الأصلية يلمس كبير تأثره بآراء أرسطو، فحازم من غير شك قد استفاد كثيراً من مطالعته لكتاب "فن الشعر" للمعلم الأول... وهو يأخذ من أوصاف المعلم الأول لشعر المأساة والملهاة، ما يتفق معها عند العرب في شعر المديح والهجاء"، ويذهب عبد الرحمن بدوي (13) إلى أننا نستطيع أن نقول: أن القرطاجني "هو أول من أدخل نظريات أرسطو وتعرض لتطبيقها في كتب البلاغة العربية الخالصة".‏

ويبدو أن تأثير أرسطو في البلاغة العربية كان أوفر حظاً منه في الشعر، وأن تأثيره في "وحدة القصيدة" كان أقل وهذا يعود لأسباب منها سوء الترجمة، واختلاف طبيعة الشعر الغنائي والشعر الدرامي، واختلاط مفهوم "وحدة القصيدة" عند القرطاجني بمفهوم "هيكل القصيدة" الجاهلية، وبَعْدُ، ما أهمُّ سماتِ وحدةِ القصيدةِ في "المنهاج"؟.‏

سمات وحدة القصيدة عند حازم القرطاجني (14) في "منهاج البلغاء وسراج الأدباء" (15): لوحدة القصيدة في "المنهاج" سمات، أهمها التناسبية والمنطقية والتأثيرية والمتابعة في وحدة البيت.‏

وظلت وحدة القصيدة، عنده، تناسبية متعددة الأغراض، وظل نقده تقليدياً متأثراً بهيكل القصيدة، فالقصائد، عنده، من حيث أغراضها، نوعان، بسيطة ومركبة "البسيطة مثل القصائد التي تكون مدحاً صرفاً أو رثاء صرفاً. والمركبة هي التي يشتمل الكلام فيها على غرضين مثل أن تكون مشتملة على نسيب ومديح. وهذا أشد موافقة للنفوس الصحيحة الأذواق لما ذكرناه من ولع النفوس بالافتتان في أنحاء الكلام وأنواع القصائد"(16).‏

ويبدو للباحث أن حازماً يقف إلى جانب هيكل القصيدة، ويشترط في القصيدة الجيدة تعدد موضوعاتها، فتتكون من عناصر مستقلة في ذاتها، ثابتة في تعددها، لا يتفاعل بعضها مع بعض، ويشترط في الشعراء المقتدرين قوة النفاذ من غرض إلى غرض، فيقول: "وهؤلاء هم المقصِّدون من الشعراء المقتدرون على تعليق بعض المعاني ببعض واجتلابها من كل مجتلب" (17)، وهو يذهب إلى أبعد من ذلك فيرى أنه لما وجد الحذاق من الشعراء النفوس "تسأم التمادي على حال واحدة وتؤثر الانتقال من حال إلى حال، ووجدها تستريح إلى استئناف الأمر بعد الأمر واستجداد الشيء بعد الشيء...‏

اعتمدوا في القصائد أن يقسِّموا الكلام فيها إلى فصول ينحى بكل فصل منها منحى من المقاصد.. فالراحة حاصلة بها لافتتان الكلام في شتى مذاهبه المعنوية وضروب مبانيه النظمية" (18).‏

وتظل القصيدة مجموعة أغراض لكل منها كيان ضمن كيان القصيدة الطويلة، ولك ما في الأمر أن الشاعر المقتدر يحسن ربط هذه الأغراض، ويجبرها على التآلف بخيط خارجي.‏

ويرد أحد دارسيه تفكيك مفهوم الوحدة، عنده، إلى اهتماهه بهيكل القصيدة، فيقول: "أما وحدة الموضوع فلم يكن حازم فيما يفهم من أقواله، يعنيها أبداً، وهذا يقوي زعمنا السابق من أنه كان في مذهبه يساير القصيدة القديمة ويتمشى معها" (19).‏

والغريب أن الأمر الذي يسلم حازم من الوقوع فيه لا يسلم منه ناقد معاصر، فعلى الرغم من أن حازماً نظر إلى الوحدة من خلال دراساته للشعر القديم، على أنها وحدة عناصر مستقلة يجمعها خيط شكلي يسميه حيناً بحسن الاطراد، كما يسميه، حيناً آخر، بالترتيب والتفصيل، ولكنه حسن اطراد العناصر المستقلة، وترتيب حبات العقد فإن الدكتور جابر الأحمد عصفور يذهب إلى أبعد من ذلك فيرى أن للقصيدة المتعددة الأغراض وحدة داخلية وأن حازماً لم يلتفت إلى الصلة بين المقدمة والمديح في دراسته لإحدى قصائد المتنبي، بل افترض أن القسمين يتصلان بحسن التخلص الذي أشار إليه، ويزيد جابر عصفور (20)، على ذلك حين يقول" إن الإحباط في الحب ـ داخل القصيدة يتجاوب مع الإحباط في علاقة قصائد المتنبي، بسيف الدولة، وأن كليهما يتجاوب مع الليل والظلام والأعداء والرقبة، وإن هذا التجاوب يشكل مهاداً يقودنا ـ عبر الفرس ـ إلى عالم جديد، هو عالم كافور، الذي قد يمنح الأمل في ولاية أو ضيعة... قد نقول ذلك كله وأكثر منه لنشير إلى العلاقات الداخلية التي تصنع وحدة القصيدة وتكامل موقفها، الذي يتجاوز التقسيم الشكلي إلى غزل ومديح".‏

والغريب في الأمر أن حازماً لم يجرؤ على القول بالوحدة الداخلية في قصيدة المتنبي علماً بأنه كان من المعجبين بشاعريته، وكان يسميه "الشاعر العظيم" في حين يقول جابر عصفور بالوحدة الداخلية بين غرضي القصيدة: النسيب والمديح.‏

ويبدو للباحث أن القصيدة تفقد، حين تتعدد موضوعاتها، وحدتها، ولكنها ليس من الضروري أن تفقد حين تفقد وحدتها، التناسب بين هذه الموضوعات وأجزائها، لأن التناسب غير الوحدة، فهو حالة من التناغم بين العناصر، تضم المؤتلف والمتباين، وتوقع التشابه بين ما يبدو مختلفاً لأول وهلة. وهذا هو السبب في إلحاح حازم على التناسب في تصوره للوزن والإيقاع. والتناسب، من حيث الجوهر، مبدأ رئيس في كل أنواع الفن وأشكاله. ولكن له في كل أنواع الفن مظهراً متميزاً ينجم عن طبيعة الأدوات والعناصر التي يتشكل منها، فتناسب اللوحة يظهر في تناغم الألوان المتباينة وينطوي تناسب اللحن على تناغم بين أصوات، أما في الشعر فالتناسب بين كلمات، وكلمات الشعر ليست مجرد أصوات، بل هي مجموعة من الدلالات. ومن الصعب الفصل بين الكلمة وسياقها كما يصعب أيضاً فصل سياقها عن معنى من المعاني تتآلف دلالته أو لا تتآلف مع غيره من المعاني" (21).‏

والفرق بين الوحدة والتناسب في الجوهر، ولكنه فرق لا يلغي أهمية التناسب الذي يجمع عناصر متغايرة، يتجاوب كل عنصر مع غيره على الرغم من أن لكل منها استقلاله، ويبدأ حازم بتناسب القصيدة منذ الحرف، فإذا حسنت الحروف حسنت الفصول، وكذلك يحسن نظم القصيدة من الفصول الحسان، كما يحسن ائتلاف الكلام من الألفاظ الحسان، ويعني ذلك أنه إذا كان كل فصل متناسباً في ذاته فينبغي أن يكون متناسباً مع غيره، ويشرح حازم التناسب في القانون الأول الذي يتضمن استجادة مواد الفصول وانتقاء جوهرها، وأن تكون "متناسبة المسموعات والمفهومات حسنة الاطراد غير متخاذلة النسج غير متميز بعضه من بعض التميز الذي يجعل كل بيت كأنه منحاز بنفسه لا يشمله وغيرَه من الأبيات بنية لفظية أو معنوية يتنزل بها منه منزلة الصدر من العجز أو العجز من الصدر" (22) ثم يقول: "وينبغي أن يكون نمط نظم الفصل مناسباً للغرض. فتعتمد فيه الجزالة في الفخر مثلاً والعذوبة في النسيب، وأن تكون الفصول معتدلة المقادير بين الطول والقصر" (23)، وتناسب الفصول يعني ترتيبها، ويدل حسن ترتيبها على مقدرة الشاعر، "فإذا كان مقتدراً على النفوذ من معاني جهة إلى معاني جهة أو جهات بعيدة منها... بصيراً بأنحاء التدريج من بعض الأغراض والمعاني إلى بعض... قيل فيه أن بعيد المرامي" (24).‏

ويؤكد هذا الفهم الوحدة، ولكن من زاوية التسلسل أو التناسب؛ فالفصول تتدرج ويعقب ثانيها أولها كما لو كنا نصعد درجاً ممهداً يفضي بنا كل درج إلى ما يليه، ولذلك يرى حازم أن الشعراء المحدثين "أحسن مأخذاً في التخلص والاستطراد من القدماء، لأن المتقدمين إنما كانت قصاراهم في الخروج إلى المديح أن يقول: دع ذا، وعدِّ عن القول في هذا" (25)، ويتحدث في القانون الرابع عن تأليف فصول القصيدة؛ فهي على أربعة أضرب: ضرب متصل العبارة والغرض، وهو الذي "يكون فيه لآخر الفصل بأول الفصل الذي يتلوه علاقة من جهة الغرض وارتباط من جهة العبارة" (26)، وهذا ما يسميه القدماء "التضمين" (27)، وضرب متصل الغرض دون العبارة، وهو الذي "يكون أول الفصل فيه رأس كلام، ويكون لذلك الكلام علاقة بما قبله من جهة المعنى" (27)، ويتصل المعنى في رأس كلام، في الأبيات، ويكون كل بيت منفصلاً، نحوياً، عما قبله وعما بعده، فينغلق المعنى الجزئي مع نهاية القافية، ويفضل حازم هذا الضرب، لأنه يحافظ على استقلال البيت، وضرب منفصل الغرض متصل العبارة، هو " منحط عن الضربين اللذين قبله" (28)، وضرب منفصل الغرض والعبارة، ولا تتصل قصائد هذا الضرب عباراتها ولا أغراضها، بل يهجم الشاعر "على الفصل هجوماً من غير أشعار به مما قبله ولا مناسبة بين أحدهما والآخر؛ فإن النظم الذي بهذه الصفة متشتت من كل وجه" (29)، وأرادأ القصائد ـ في رأي حازم ـ ما افتقدت أجزاؤه الاتصال، ولكن علينا أن نلاحظ أن التشتت، هنا، هو تشتت الحبات إذا انقطع الخيط الذي يربطها، لا تشتت العناصر الحية (30).‏

وتناسب حازم تدرجي ترتيبي، فهو يرتب فصول القصيدة بحسب العناية والأهمية والطول والقصر، ويرى أنه يجب "أن يقدم من الفصول ما يكون للنفس به عناية بحسب الغرض المقصود بالكلام ويكون مع ذلك متأتياً حسب العبارة اللائقة بالمبدأ. ويتلوه الأهم فالأهم إلى أن تتصور التفاتة ونسبة بين فصلين تدعو إلى تقديم غير الأهم على الأهم. فهناك يترك القانون الأصلي في الترتيب. وتقديم الفصول القصار على الطوال أحسن من أن يكون الأمر بالعكس" (31)، ولا يكتفي حازم بترتيب الفصول، بل يذهب إلى ترتيب بيوت الفصل الواحد، فيرى أنه يجب "أن يبدأ منها بالمعنى المناسب لما قبله، وأن تأتي مع هذا أن يكون ذلك المعنى هو عمدة معاني الفصل والذي له نصاب الشرف كان أبهى لورود الفصل على النفس، على أن كثيراً من الشعراء يؤخرون المعنى الأشرف ليكون خاتمة الفصل. فأما من يردف الأقوال الشعرية بالخطابية فإن الأحسن له أن يفتتح الفصل بأشرف معاني المحاكاة ويختمه بأشرف معاني الإقناع" (32).‏

وتناسبه وصلي فهو يتناول التخلص من غرض إلى غرض، وهو، عنده، نوعان، قديم عرفه الشعراء، ويكون بألفاظ تفصل بين غرضين من أغراض القصيدة، ومحدث "يجمع بين طرفي القول حتى يلتقي طرفا المدح والنسيب أو غيرهما من الأغراض المتباينة التقاء محكماً، فلا يختل نسق الكلام ولا يظهر التباين في أجزاء النظام"(33).‏

وليس التناسب، عنده، بعيداً عن مفهوم العِقد ـ الوحدة عند ابن طباطبا (34)؛ فوحدة القصيدة "كأنها عقد مفصل" (35)، وهو يصف مقصورته بأنها "من تناسب ألفاظها، وتناسق أغراضها، قلادة ذات اتساق" (36)، و"قد تحلت بعقود... وتجلت في سموط... فانتظم عقدها من اللؤلؤ المكنون" (37)، وتشبيه القصيدة بالعقد يشي بالعلاقة بين الفصول والأبيات والعناصر والمعاني، وهو تشبيه يتناقض كل التناقض مبدأ التنامي والتصاعد الداخلي في الشكل العضوي، فحبات العقد مستقل بعضها عن بعض مبنى ومعنى، أو هي متشابهة نسخياً وإن ربطت بخيط ربطاً صناعياً، وصناعة الحبات آلية تصنع كل حبة وحدها، وهي حبات تصنع من مواد جامدة لا أثر فيها للنمو أو التفاعل، وجمع الحبات في عقد آلي يشبه جمع أجزاء آلية ما، ويمكن فصل أي حبة من العقد دون أن يسيء ذلك إلى جمالها أو شكلها، ومفهوم حبات العقد هو مفهوم وحدة البيت داخل القصيدة، فالقصيدة التقليدية مجموعة أبيات والعقد مجموعة حبات، ويؤكد هذا التشبيه ثبات العناصر داخل الشكل الذي يقوم على الترابط الآلي والتسلسل الخارجي المصنوع، وهكذا يتضح للباحث، بعد القراءة المتأنية، أن مستويات الوحدة التي يقول بها حازم متوازية ذات بعد واحد، وأن قوله بتركيب القصيدة ما هو إلا عودة بالنقد إلى بنائية القصيدة الجاهلية.‏

وحدته منطقية، فالقصيدة تتألف، عنده، من أغراض، وتتألف الأغراض من فصول، وتتألف الفصول من أبيات. وهو يدعو إلى أمرين، أحدهما ارتباط أبيات كل فصل ارتباطاً منطقياً، والآخر ارتباط فصول القصيدة ارتباطاً تأثيرياً. وهو يفتتح الكلام على الشعر ببدهيات غريبة عنه، ويتشدد في معاني الفصل الواحد حتى لينسى القارئ أن الكتاب في نقد الشعر، فهو يتحدث، مثلاً، عن الوجوه التي يقع بها التدافع بين المعاني، فيقول: "كل قول قصد به محاكاة شيء ونحَى بذلك منحى من الأغراض فإنه يجب ألا يتعرض فيه إلى ما هو أليق بمضاد الشيء المحاكى به وأخص به أو أخص بمناسب مضادِّة، وألا يتعرض في تخييل حال الشيء المحاكى به إلى ما هو أخص بحال مضاد ذلك الشيء أو مناسب مضاده، وألا يتعرض في القول وما دل عليه إلى ما هو أخص بمضاد الغرض الذي نحى به منحاه أو إلى ما هو أخص بمناسب مضاد ذلك الغرض، وألا يتعرض فيه إلى لفظ له عرف فيما يضاد المعنى الذي دل عليه أو الغرض الذي نحى به منحاه أو الشيء الذي قصده به محاكاته ولا إلى ما يناسب مضادات جميع ذلك، فإن التعرض في القول لما يضاد معناه ومدلوله وغرضه، أو إلى ما يناسب تلك المضادات، أو إلى ما له عرف في شيء من ذلك، ضروب من التدافع. (38).‏

وبعد هذا يدرك الباحث أن ما ذهب إليه حازم، فعلاً، هو البناء المنطقي في بنية القصيدة على الرغم من أنه كان يستهدف البناء الشعري، ويحتمل أن هذا الفهم لطبيعة المعنى الشعري يمهد لمفهوم الوحدة في القصيدة، وهو يلح على اقتران المعاني اقتراناً منطقياً، يخضع لحركة المنطق أكثر مما يخضع لحركة الشعر، وهو يفترض أن الشاعر يفكر في معانيه بطريقة منطقية مع أنه يسلم بتمييز الشعر من المنطق كما يسلم بوجود دوافع ذاتية للإبداع، وهنا تكمن خطورة ما ذهب إليه، فهو، وإن حاول أحياناً أن يخفف نظرته المنطقية، يؤكد ذهنية الشعراء، وتسيطر عليه أقيسة لا نجدها إلا في كتب المنطق الأرسطي.‏

ويدرك حازم بطبعه المنطقي أن ثمة فجوات بين أغراض القصيدة، فحاول أن يجد رابطاً يربطها، ورأى أن يكون الانتقال من بعض الأغراض إلى بعض على النحو الذي يوجد التابع فيه مؤكداً لمعنى المتبوع ومنتسباً من جهة ما يجتمعان في غرض، ومحركاً للنفس إلى النحو الذي حركها الأول، أو إلى ما يناسب ذلك، وبذلك يكون أشد تأثيراً في النفوس (39).‏

ويحذر حازم، من وجهة نظر منطقية، أن يجمع الشاعر بين غرضين متضادين، كالحمد والذم أو الإبكاء والإطراب، وكان المعنيان متساويين في التناقض ظاهراً وباطناً مثل أن يحمد الإنسان شيئاً ويذمه من جهة واحدة، ويكون ظاهر الكلام يفيد الحمد والذم معاً، وكذلك باطنه (40)، ويبدو أن مثل هذا التناقض يسيء إلى القصيدة من نواح عدة، أهمها ابتعاد الشاعر عن التجربة ابتعاداً كبيراً.‏

وتقسم القصيدة، عنده، إلى أغراض، يتناول الشاعر في كل منها معنى مألوفاً، وترتبط هذه الأغراض ارتباطاً تأثيرياً، ويبدو أن تعدد الأغراض يسيء إلى وحدة كل عنصر على حِدَة وأن انتقال الشاعر من غرض إلى غرض يوهي الرابط المنطقي، وهذا ما حدا بحازم إلى أن يقول بالتأثيرية في الانتقال بين أغراض القصيدة.‏

ولما أدرك حازم الفجوات المنطقية بين أغراض القصيدة وجد التأثيرية رابطاً يسد هذه الفجوات، ودعواه ذلك أن "النفوس تحب الافتتان في مذاهب الكلام، وترتاح للنقلة من بعض ذلك إلى بعض، ليتجدد نشاطها بتجدد الكلام عليها" (41).‏

وتقوم هذه التأثيرية على أساس نفسي، فتصل بين طرفي موضوعين كالمديح والنسيب، فلا يظهر التباين بين أجزائها، ويرى إحسان عباس (42) أن قضية الوحدة لم تتجسد "في ذهن حازم من غير الطرق الشكلية والحيل الشعرية، لأنه كان مشغول الذهن بالتأثير في نفس السامع حين تحدث عن التنويع في انتقال الشاعر في أثناء قصيدته من فصل إلى فصل"، ويرى أن حازماً لا يهمل مستمع الشعر، بل تكتمل وحدة القصيدة في المستمع ومدى تأثره ونشاطه، وليس من الضروري أن تكون "الفصول" التي يتحدث عنها هي الموضوعات المتعددة، وإن كان لا ينكر تعدد تلك الموضوعات، وربما كانت هذه الفصول "دورات" من النقلات النفسية في موضوع واحد، وعندئذ لا يعني الحديث عن الفصول أنها متجزئة، ولكنه يعني تماسك الدورات فيها (43).‏

وتقتضي الوحدة التأثيرية، عنده، الإيجاز في الفصول خوفاً من سأم المستمع، فينبغي ألا يتوسع الشاعر في الفصل الواحد، ولو كانت المعاني سارة "ولكن يؤتى من ذلك بالمعنى والمعنيين ونحو ذلك في الفصل ويلمع كذلك في الموضع بعد الموضع" (44).‏

ويهتم حازم بمطلع القصيدة ويرى أن المطالع الناجحة تفضي إلى نجاح القصائد لأنها "رائد ما بعدها إلى القلب. فإذا قبلتها النفس تحركت لقبول ما بعدها، وإن لم تقبلها كانت خليقة أن تنقبض عما بعدها" (45). وللقصيدة عدة مطالع، فلكل فصل مطلع يسيطر على المستمع إلى أن يسلمه إلى الفصل الذي يليه ويربط ما بينهما ويزيد القصيدة حسناً وبهاء.‏

ولم يتخلص حازم من سيطرة البيت المفرد على بعض آرائه النقدية، فهو يهتم، مثلاً، بمطالع القصائد (46)، ويشترط فيها أن تكون "سالمة من الخرم، غير مفتقرة إلى ما قبلها افتقاراً يجعلها غير مستقلة بأنفسها أو في قوة المستقلة" (47)، وقد مرَّ معنا أن حازماً يميل إلى تفضيل القصائد المتصلة الغرض المنفصلة العبارة، لأنها تحافظ على استقلال البيت، وقد أدى اهتمام حازم بالبيت المفرد إلى اهتمامه بالقافية، "فأما ما يجب فيها من جهة كونها مستقلة منفصلة عما بعدها أو متصلة به فلا يخلو الأمر في هذا من أن تكون الكلمة الواقعة في القافية غير مفتقرة إلى ما بعدها ولا مفتقر ما بعدها إليها وهو المستحسن على الإطلاق" (48)، وهو يفضل، في مكان آخر من كتابه، بناء الشعر على البيت المفرد، ويفضل بناء البيت على القافية، وله مأخذ على غير ذلك (49).‏

وهكذا يتضح أن حازماً النقاد لم يتخلص تماماً من سيطرة البيت المفرد على نقده على الرغم من أنه قال بوحدة القصيدة واهتم بالقياس المنطقي، فظلت القصيدة في نقده متعددة الأغراض، كما ظلت عناصر ثابتة مستقلة غير متفاعلة، ويعود هذا إلى أنه سار في نقده على نهج القصيدة الجاهلية وقال بوحدتها معاً.‏

الحواشي:‏

(1) Lalande, Andre – Vocabulaire technique et critique de la Philosphie, P. 1164.‏

(2) Ibid, P. 723.‏

(3) Ibid, P. 1165.‏

(4) فن الشعر ـ ص 24 ـ 26.‏

(5) بريت، ر. ل. ـ موسوعة المصطلح النقدي ـ 2 / 262.‏

(6) المصدر السابق ـ 2 / 256.‏

(7) النظرية الرومانيكية في الشعر ـ ص 249.‏

( المجمل في فلسفة الفن ـ ص 51.‏

(9) سلامة، د. إبراهيم ـ بلاغة أرسطو بين العرب واليونان ـ ص 4.‏

(10) الحيوان ـ 1 / 75، وابن سينا "فن الشعر من كتاب الشفاء" من كتاب "فن شعر" ـ ص 198، والمنهاج ـ ص 68 و89 و 118...الخ.‏

(11) المدخل من كتاب "المنهاج" ص 117 ـ 118.‏

(12) المصدر السابق ـ ص 98 ـ 99.‏

(13) "حازم القرطاجني ونظريات أرسطو في البلاغة والشعر" ـ كتاب "طه حسين" ـ ص 87.‏

(14) هو أبو الحسن حازم بن محمد بن حسن بن حازم القرطاجني المتوفى سنة 684 هـ ناقد وشاعر من أهل قرطاجنة (بشرقي الأندلس)، انتقل إلى أفريقية، فاشتهر بها وعمَّر وتوفي بتونس. من كتبه "سراج البلغاء" في البلاغة وكتاب في القوافي، وله ديوان شعر مطبوع مرتين، ينظر في ترجمته:‏

المقري ـ نفح الطيب ـ 2 / 589، والسيوطي ـ بغية الوعاة ـ 1 / 491 ـ 492، والحنبلي ـ شذرات الذهب ـ 5 / 387 ـ 388.‏

(15) تقديم وتحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة ـ المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية ـ 1966.‏

(16) منهاج البلغاء ـ ص 303.‏

(17) المصدر السابق ـ ص 324.‏

(18) المصدر السابق ـ ص 295 ـ 296.‏

(19) بكار، د. يوسف حسين ـ بناء القصيدة العربية ـ ص 412.‏

(20) مفهوم الشعر ـ ص 465.‏

(21) المرجع السابق ـ ص 425.‏

(22) منهاج البلغاء ـ ص 288.‏

(23) المصدر السابق ـ ص 288.‏

(24) المصدر السابق ـ ص 323.‏

(25) المصدر السابق ـ ص 317.‏

(26) المصدر السابق ـ ص 290.‏

(27) ينظر التضمين في: العمدة ـ 1 / 171 ـ 172.‏

(28) منهاج البلغاء ـ ص 291.‏

(29) المصدر السابق ـ ص 291.‏

(30) ينظر: مفهوم الشعر ـ ص 460.‏

(31) منهاج البلغاء ـ ص 289.‏

(32) المصدر السابق ـ ص 289.‏

(33) المصدر السابق ـ ص 318 ـ 319.‏

(34) ينظر في مقالنا وحدة القصيدة في "عيار الشعر" ـ التراث العربي س 5 ع 18.‏

(35) منهاج البلغاء ـ ص 297.‏

(36) قصائد ومقطعات ـ تقديم وتحقيق د. محمد الحبيب ابن الخوجة ـ ص 11.‏

(37) المصدر السابق ـ ص 10.‏

(38) منهاج البلغاء ـ ص 147.‏

(39) المصدر السابق ـ ص 297 ـ 298.‏

(40) المصدر السابق ـ ص 350.‏

(41) المصدر السابق ـ ص 361.‏

(42) تاريخ النقد الأدبي عند العرب ـ ص 33.‏

(43) المصدر السابق ـ ص 34.‏

(44) منهاج البلغاء ـ ص 360.‏

(45) المصدر السابق ـ ص 286.‏

(46) ينظر: المصدر السابق ـ ص 309.‏

(47) المصدر السابق ـ ص 286.‏

(48) المصدر السابق ـ ص 276.‏

(49) ينظر: المصدر السابق ـ ص 281 ـ 282.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
وحدة القصيدة في نقد القرطاجَني ـــ خليل الموسى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
رنيم الحب :: القسم الادبي :: القصص القصيرة-
انتقل الى: