رنيم الحب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رنيم الحب

نلتقي لنرتقي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  جذور نظرية الحقول الدلالية في التراث اللغوي العربي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المبرمج يوسف
مشرف عام
مشرف عام



المساهمات : 16
تاريخ التسجيل : 15/03/2011
العمر : 30
الموقع : vipj.wwooww.net

 جذور نظرية الحقول الدلالية في التراث اللغوي العربي Empty
مُساهمةموضوع: جذور نظرية الحقول الدلالية في التراث اللغوي العربي    جذور نظرية الحقول الدلالية في التراث اللغوي العربي Icon_minitime1الأربعاء يوليو 06, 2011 12:31 pm

جذور نظرية الحقول الدلالية في التراث اللغوي العربي

مقدمة‏

تعد‏

ّ العناية بالدلالة من أقدم اهتمامات الإنسان الفكرية عبر الزمن، وفي مختلف الحضارات والمدنيات. فلقد شغلت على مرّ العصور المفكّرين الصينيين والهنود وفلاسفة اليونان والرومان وغيرهم.‏



وازداد البحث في قضايا الدلالة في القرنين الأخيرين باعتبارها تهمّ كلّ مستعملي اللغة التي تعتبر وسيلة أساسية في التعبير والتفاهم والتواصل بين الأفراد والمجتمعات البشرية، وكان ذلك خاصة ابتداء من 1897م حين وظّف ميشال بريل M.Breal) لأول مرة مصطلح‏

Semantique) في كتابه "مقالات في علم الدلالة" Essais de Semantique)، وإليه يعود الفضل في الاهتمام العلمي بالدلالة إذ لفت بذلك أنظار اللغويين إلى المعنى وتغيّره ومشكلاته.‏

وكان للعرب والمسلمين من لغويين وبلاغيين وغيرهم نصيب أوفر في معالجة كثير من المسائل المتعلقة بدلالة الكلمات، فكتبوا عن مجاز القرآن وغريب ألفاظه، والعلاقة بين اللفظ والمعنى، وتطور معاني الألفاظ والترادف والأضداد والمشترك.‏

وتحقق ذلك منذ جمع وتدوين مفردات اللغة العربية انطلاقاً من مشافهة الأعراب، أو شرح مفردات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة واستخراج معاني الألفاظ منهما، وهو جانب أثار المحافظة على سلامة اللسان العربي من خلال فهم النص القرآني الذي كان السبب في إثارة الكثير من القضايا العلمية التي غدت علوماً مستقلة، والبحث عن المسائل الدلالية في ديوان العرب الذي تضمن ثروة لغوية دلالية جديرة ببحث مشكلاتها وتناول مكوّناتها.‏

وكان ما سبق عاملاً في تطور الدراسة اللغوية في وقت مبكر في مختلف مظاهرها الصوتية منها والصرفية والتركيبية والدلالية، أعطت نتائج أثرت علم الدلالة إثراء كبيراً، وأنتجت معاجم المعاني ومعاجم الألفاظ، جعلها تتسم بالمنهجية والدقة والسعة والتنظيم والوضوح.‏

ومعاجم المعاني أو الموضوعات هي التي ترتب الألفاظ في مجموعات تنضوي كل منها تحت فكرة واحدة، أو محور عام، ويفيد منها الكتاب والمنشئون والمترجمون الذين يحضرهم المعنى ويكونون في حاجة إلى لفظ يعبرون به، فتساعدهم وتيسر مهمتهم في البحث عن مطلبهم والحصول عليه في أسرع وقت ممكن(1) . وهي معاجم أسبق في الوجود أو معاصرة للمعاجم العربية المرتبة بحسب الألفاظ، وإن كانت بدايتها في شكل كتيبات صغيرة تناول كل واحد منها موضوعاً من الموضوعات(2) .‏

والملاحظ أن معجم "العين" للخليل بن أحمد الفراهيدي 180هـ) قد شغل الدارسين عن مؤلفات كانت متزامنة معه، وكان مؤلفوها معاصرين له، وظل يشار إليها لمدة غير قصيرة على أنها تؤسس فقط المراحل الأولى لبداية التأليف المعجمي العربي، ولكن لو كانت كذلك لما استمرت حتى بعد ظهور عدد من المعاجم الشاملة.‏

ومن هنا فإن معاجم المعاني لم توف حقها، إذ مر عليها الباحثون مروراً عابراً بسبب انشغالهم بالمعجم العربي الكامل أكثر من سواه، كما ركزوا على الخليل ومعجمه(3) ، أو من حذا حذوه في التأليف المعجمي، وظل اهتمام الدارسين بكتب الموضوع الواحد غير متلائم مع قيمة مضامينها، إذ- غالباً- ما جاءت الإشارة إليها تمهيداً للحديث عن التأليف المعجمي الشامل، وكأن هذه الكتب لا يمكن أن توجد إلا بتعلقها بتأليفات أخرى.‏

وكانت بداية معاجم المعاني مما ألف في الرسائل التي جمع فيها الرواة الألفاظ التي تمحور بعضها حول موضوع واحد كالنبات، والشجر وخلق الإنسان للأصمعي ت204هـ)، والخيل والغنم والوحوش والسباع والطير لأبي عبيد 224)، واللبن والمطر والشجر لأبي زيد الأنصاري، والنبات لأبي حنيفة الدينوري، وألف- أيضاً- في اللباس والطعام والمعدنيات والأنواء والسحاب والبئر، وهي رسائل ضمت مجموعات دلالية تعلقت بموضوع واحد، وكانت هذه الأعمال اللبنة الأساسية في وضع المعاجم العربية كما عرفت فيما بعد(4) .‏

وتعد كتب الحشرات أولى الرسائل من حيث الظهور بسبب تأثر أصحابها بالقرآن الكريم الذي أشار إلى طائفة منها كالنحل والنمل والذباب والعنكبوت والجراد والبعوض، وتناولها المفسرون بالبحث والمعالجة مما أدى باللغويين إلى التأليف فيها، فبلغوا فيها غايتهم ومبتغاهم(5) .‏

ولا شك في أن هذه الرسائل هي التي أنتجت معاجم المعاني أو الموضوعات، واكتمل التأليف فيها في منتصف القرن الخامس، فكان من ثمارها "الغريب المصنف" لأبي عبيد القاسم بن سلام‏

224هـ)، وتهذيب الألفاظ لابن السكيت 224هـ)، وفقه اللغة وأسرار العربية للثعالبي‏

430هـ)، والمخصص لابن سيده 485هـ)، وأساس البلاغة للزمخشري 538هـ)، ونظام الغريب في اللغة للربعي، وكفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ لابن الأجدابي(6) والألفاظ الكتابية للهمذاني ت320هـ)(7) .‏

ولم تتوقف هذه الكتابات بل استمرت لأهميتها للباحث والمتعلم، فقد ألف الزجاجي ت311هـ) كتاباً عن خلق الإنسان، وابن دريد ت321هـ) عن السرج واللجام، والمطر والسحاب، وابن خالويه ت370هـ) عن الشجر، وغيرهم كثير، ممن ألف في الموضوع نفسه مثل أحمد بن فارس ت395هـ)، والزجاج 415هـ)، والإسكافي ت421هـ)، وعبد الله بن سعيد الخرافي ت480هـ)، ومن المتأخرين الصاغاني ت650هـ)، وشرف الدين علي بن يوسف بن حيدرة الطبيب ت667هـ)، وجلال الدين السيوطي وغيره( .‏

وليس هذا العمل إلا تصنيفاً للغة بحسب المعاني أو الموضوعات، وهو ينم عن أن فطاحله شعروا بمسؤوليتهم العلمية والتربوية تجاه اللغة العربية والأجيال التي يتعلمونها ويعلمونها، فأسهم كل واحد بالقدر الذي يغني الثقافة العربية ولغتها وبناء حضارتها المتميزة ومشاركاً بحبة حصاة في الصرح الحضاري والإنساني.‏

وكانت هذه الأعمال الجليلة المدونة لألفاظ اللغة العربية ومعانيها مدعاة إلى اهتمام المستشرقين بها في بداية هذا القرن، فنشر أوجست هفنر Auguste Hafner) رسالة "خلق الإنسان" للأصمعي ضمن كتابه "الكنز اللغوي في اللسان العربي" الذي صدر في بيروت عام 1903، وفي ليبزغ سنة 1905، كما عني فريتش كرنكوي بنشر كتاب "الخيل" لأبي عبيدة معمر بن المثنى، ونشر وليام رايت William Right) رسالة "صفة السرج واللجام لابن دريد".‏

ثم توالت العناية بهذا التراث الضخم من قبل الدارسين العرب في العصر الحديث، فنشر عزة حسن "النوادر لأبي مسْحل" بدمشق في سنة 1961م، ونشر إبراهيم السامرائي "كتاب خلق الإنسان" للزجاج ببغداد في 1963، ورمضان عبد التواب "كتاب البئر" لأبي زيد الأنصاري بالقاهرة في 1970(9) . وما تزال العناية بهذا التراث مستمرة، محاولة اكتشاف كنوزه الفكرية والمعرفية، وجعله مسايراً لتطور الحضارة والتقدم العلمي.‏

مفهوم الحقول الدلالية:‏

من المعروف أن التحليل الدلالي لبنية اللغة من الأمور الضرورية والأساسية في معالجة دلالة الكلمات سواء أكانت الدراسة تاريخية أم مقارنة أم تقابلية، مما أدى إلى ظهور نظرية الحقول الدلالية التي صارت تسهم في تحديد الدلالة وعناصرها بطريقة محكمة وموضوعية.‏

ومن أهم مبادئها أن الوحدة المعجمية لا تشترك في أكثر من حقل، ولا توجد واحدة ليس لها مجال محدد، ويتطلب في ذلك مراعاة سياق الكلمات وموقعها في التركيب اللغوي(10) .‏

ويعتمد أصحاب النظرية على الفكرة المنطقية التي ترى أن المعاني لا توجد منعزلة الواحدة تلو الأخرى في "الذهن الذي يميل دائماً إلى جمع الكلمات وإلى اكتشاف عرى جديدة تجمع بينها، فالكلمات تثبت في الذهن دائماً بعائلة لغوية"(11) ، أي إن الكلمات لا تشكل وحدة مستقلة، ولا معنى لها بمفردها، ولكنها تكتسب معناها في علاقاتها بالكلمات الأخرى، وأن معنى هذه الكلمة أو تلك لا يتحدد إلا ببحثها مع أقرب الكلمات إليها في إطار مجموعة واحدة.‏

فلفظ الإنسان- مثلاً- الذي يعد مطلقاً لا يمكن أن نعقله إلا بالإضافة أو بالنسبة إلى حيوان، ولفظ رجل بإضافته إلى امرأة، ولفظ حار لا يفهم إلا بإضافته إلى بارد وهكذا(12) .‏

فالحقول الدلالية تقوم على فكرة المفاهيم العامة التي تؤلف بين مفردات لغة ما، بشكل منتظم يساير المعرفة والخبرة البشرية المحددة للصلة الدلالية بين الكلمات، وبذلك فإن معنى الكلمة كما يقول جون ليونز John Lyons) هو محصلة علاقاتها بالكلمات الأخرى داخل الحقل المعجمي(13) .‏

تصنيف المدلولات ضمن الحقول الدلالية:‏

تصنف المدلولات في حقول مفهومية ألفها الفكر البشري، تربط مجموع كلماتها دلالة أسرية مشتركة كحقل الألوان في اللغة العربية، فهي تقع تحت المصطلح العام "لون"، وتضم ألفاظاً مثل: أحمر- أزرق- أخضر- أبيض- أصفر... أو حقل القرابة، أو السكن، أو الحيوانات الأليفة والمتوحشة أو باعتماد علاقة الاشتمال، الترادف، التضاد، الجزء بالكل، الكبير بالصغير، التنافر، أو علاقة التدرج.‏

فالكلمات التي تمثل تقديرات في جامعة ما نحو: ممتاز- جيد جداً- حسن- مقبول- متوسط- ضعيف- ضعيف جداً، لا يمكن فهم كل منها إلا بالتي فوقها أو في مستواها أو دونها، وتحدد قيمة كل منها من خلال المجموعة التي تنتمي إليها(14) .‏

وقد أصبح لمنهج نظرية الحقول الدلالية تطبيقات كثيرة على الخطاب الأدبي، يذكر منها الدراسة التي قام بها بيير جيرو Pierre Guiraud) حين تحليله معنى لفظ "الهاوية" Gouffre) في ديوان "أزهار الشوك" Les Fleurs du Mal) لبودلير Baudelaire) حيث أوضح الملامح المرتبطة به مثل: سواد- ظلام- دامس- بارد- مثلج- مؤدي إلى الخوف والدوار، كما بحث عن الكلمات التي تعوضها في قيمتها أو تناقضها نحو: خطيئة- جحيم، واستنتج أن الديوان يخضع لتخطيط وبناء وتنظيم(15) .‏

كما درست أوديت بيتي Odette Petit) الفصل الأول من كتاب "الأيام" لطه حسين، واستنتجت أن ملامح شخصيته متجلية في لغته التي تكشف عن متناقضات كثيرة(16) ، وأورد محمد العبد في كتابه "اللغة والإبداع الأدبي" فصلاً بعنوان "حقول السياب الدلالية" فرأى أن معجم شعر السياب لا يختلف عن شعراء الاتجاه الوجداني بما احتواه من ازدواجية، وذلك أن "أولى صور الازدواجية هو ما تفرضه الرومانطيقية من نزاع بين قوة الحب وقوة الموت، أو ألم الفقد، حتى ليرتجف فرقاً من الحب الرهيب، وهو بين هاتين القوتين يحاول أن يجد رجاءه في الخلاص منهما معاً"(17) .‏

وتستثمر نظرية الحقول الدلالية في الترجمة وبناء المعاجم الثنائية أو غيرها فتساعد الدارس على البحث عما يقابل اللفظ من بين مجموع الكلمات والمعاني الواردة في لغة الهدف، وكذلك تسهم في تصنيف المعاني والمدلولات والموضوعات في العملية التربوية، لتقريب الدلالات إلى ذهن الطفل.‏

وفي ضوء ما سبق يمكن تعريف الحقول الدلالية بأنها مجموعة من الوحدات المعجمية التي تشتمل على مفاهيم تندرج ضمن مفهوم عام يحدد الحقل ويعبر عن مجال معين من الخبرة والاختصاص، وقد عرفها استيفان أولمان Stephane Ullman) بأنها: "قطاع متكامل من المادة اللغوية يعبر عن مجال معين من الخبرة"(18) .‏

الحقول الدلالية في التراث اللغوي العربي:‏

تفطن اللغويون العرب القدامى في وقت مبكر إلى فكرة الحقول الدلالية من خلال تأليفهم للرسائل الدلالية الصغيرة والمتنوعة، التي ظهرت مع بداية التدوين ثم تصنيف المعاجم الموضوعية بعد ذلك في هذا الميدان.‏

وكان الهدف منها تعليمياً وعاملاً مساعداً للكاتب والشاعر، إذ تمدهما المعاجم بالكلمات التي يريانها أكثر ملاءمة من غيرها للبحث عن ضالتهما وعرض أفكارهما في دقة وأناقة حول موضوع محدد(19) .‏

وتختلف أعمالهم عن مثيلاتها عند الغربيين في هذا العصر، لأسباب أهمها تغير الزمان وتطوره، وتوسع آفاق الدرس الدلالي، وعمق تقنياته بفضل التقدم العلمي والمعرفي، وليس فيما سبق ضير يلحق بما قدمه العرب القدامى الذين كانت لهم اليد الطولى في هذا الميدان، ولكن اهتمامهم المبكر بالرسائل ومعاجم المعاني لم يصل بطبيعة الحال إلى مستوى تأسيس نظرية قائمة بذاتها الحقول دلالية لأن عملهم كان تطبيقياً أكثر منه تنظيرياً، وعلى الرغم من ذلك فإن التراث اللغوي العربي يحمل في طياته أفكاراً رائدة لا تزال في حاجة إلى من يزيدها دراسة وتحليلاً وتجديداً.‏

ويكفي في هذا الصدد أن نذكر معجم المخصص لابن سيده لندرك التقارب بينه وبين المعجمات الموضوعية الحديثة التي تبنى على أساس الحقول الدلالية، على الرغم من الفارق الزمني الذي يفصله عنها، وهو عمل ضخم يضع صورة شاملة للغة العربية، فجمع الكلمات حول بعض المحاور الرئيسية المختلفة، ووضع ما يتعلق بالسماء والنجوم في فصل، وكذلك الأرض وأجواؤها، والإنسان وما يتعلق به من أسماء وأعضاء وصفات وأخلاق، ووضع النباتات وأنواعها في فصل وكذلك المسائل النحوية والصرفية، وهو عمل لا يخرج عن تطبيقات نظرية الحقول الدلالية.‏

وقد سار في ذلك على أساس التدرج المعتمد على المنطق والعقل ويوضح ذلك حيث يقول: "فأما هذا الكتاب، من قبل كيفية وضعه فمنها تقديم الأعم فالأعم على الأخص فالأخص، والإتيان بالكليات قبل الجزئيات، والابتداء بالجوهر والتقفية بالأعرض، على ما يستحقه من التقديم والتأخير، وتقديمنا كم على كيف، وشدة المحافظة على التقييد والتحليل"(20) .‏

تطور نظرية الحقول الدلالية:‏

تطورت نظرية الحقول الدلالية في العصر الحديث حين بدأ يهتم بها عدد من اللسانيين السوسريين والألمان والفرنسيين والانجليز وغيرهم، فقام على سبيل المثال "تريير" Trier) بدراسة تنتمي إلى القطاع المفهومي حيث تناول مفردات المعرفة أو الألفاظ في اللغة الألمانية المنتمية إلى فترة ما بين 1200م و1300م فلاحظ أن الحقل المفهومي في 1200م كان مغطى بحقل معجمي متكون من ثلاث كلمات وهي: Wisheit- الحكمة)، Kunst- الفن)، List- الصنعة أو المصطنع)، ولكن بعد قرن من الزمان أي في 1300م صار مغذى بحقل معجمي مشتمل على‏

Wizzen- Kunst- Wisheit أي المعرفة)، وأوضح أنه حدث تغيير في معاني الكلمات الثلاث ضمن تحديد كلي لبنية الكلمة ولرؤية العالم التي تعبر عنها وتعكسها(21) .‏

واهتم الباحثون بدراسة ألفاظ الأصوات والحركة، وكلمات القرابة على نحو ما قام به جورج مونان Georges Mounin) في كتابه "مفاتيح علم الدلالة" Clefs Pour la Semantique)(22) ، واعتنوا أيضاً بمعاني كلمات الألوان والأمراض والنبات والأدوية وغيرها، وأدت مثل هذه البحوث إلى التفكير في تأليف معاجم لغوية تتناول الحقول الدلالية.‏

وسايرت هذه النظرية في العشرينيات من هذا القرن الاتجاه التاريخي الذي كان سائداً آنئذ، ثم اعتمدت على المنهج الوصفي الذي نص على أن اللغة نظام من العلامات تكتسب قيمتها من خلال علاقاتها بالعلامات الأخرى.‏

وهي الفكرة التي لفت بها فردينان دي سوسير الانتباه حين تحدث عن علاقات التداعي التي تنشأ بين الكلمات الآتية: ارتاب- خشي وخاف)، وذهب إلى أنها محددة بمحيطها وسياقها، شأنها في ذلك شأن قطعة الفارس في لعبة الشطرنج التي لا تستمد قيمتها إلا بوجودها في علاقة بالقطع الأخرى(23) .‏

والكلمة من هذا المنظور تشبه الإنسان الذي لا ينظر إليه منعزلاً عن بيئته وأفراد مجتمعه، وإنما لمعرفة قيمته ووظيفته ينبغي النظر إليه في علاقاته مع الآخرين.‏

وقد صار منهج تصنيف المدلولات إلى حقول دلالية أكثر المناهج حداثة في علم الدلالة، لأنه تجاوز تحديد البنية الداخلية لمدلول الكلمات، بكشفه عن بنية أخرى تؤكد القرابة الدلالية بين مدلولات عدد ما منها(24) .‏

وقد اعتنى بها الألمان أكثر من غيرهم مثل هردر Herder) في 1772، وهمبولت‏

Humbojdt) في 1836، وأسهم في تطويرها تراير Jost Trier Porzig) 1934، وويسجردر‏

Lweisgerder) وإيبسن Ipsen) وآخرون.‏

ومن الناحية الفلسفية كانت محل دراسة من قبل كارل برولير Karl Bruler) في 1934، وهي تنص على معالجة الألفاظ في علاقاتها بعناصر الكلام، وتركز على الطابع الشمولي للنظام اللغوي وتأثير السياق في دلالة الكلمات(25) .‏

ويعتبر ماير Meyer) من الذين لاحظوا هذه الظاهرة في 1910 عندما بحث الرتب العسكرية، وبين أن كل مصطلح تشتق قيمته من ضمن جدول الرتب التي تكون نسقاً دلالياً(26) ، وكذلك إبسن Ipsen) حين صنف الكلمات ذات الصلة بالأغنام، وتربيتها في اللغات الهندو-أروبية، وفي العصر الحديث جورج مونان في كتابه "مفاتيح علم الدلالة" لما صنف مدلولات الحيوانات المنزلية والكلمات المتعلقة بالسكن(27) .‏

ولكن العلماء البارزين في تطبيق نظرية الحقول الدلالية في تحليلاتهم اللسانية هم: تراير وأولمان وجورج ماطوري Goerges Matore) الفرنسي.‏

ومن المعاجم التي صنفت على أساس المفاهيم في اللغات الأجنبية هي:‏

- معجم روجيه الانجليزي Roget) وطبع في 1852م.‏

- المعجم اللغوي لبواسيير Boissiere) الموسوم بالمعجم القياسي للغة الفرنسية‏

Dictionnaire Analogique de la Langue Francaise) وقد نشر في 1885م.‏

- معجم اللغوي الألماني دورنزايف Dornseif)، بعنوان: "الكلمات الألمانية في مجموعة مبوبة"، واشتمل على عشرين حقلاً دلالياً رئيسياً، وظهر في 1933م.‏

- معجم اللغوي الفرنسي ماكيه Maquet) الموسوم "بالمعجم القياسي" Dictionnaire Analogique)، رتبت فيه الكلمات وفق الأفكار والمعاني ونشر في 1936م.‏

- معجم كاسيرر Cassirer) بالإسبانية وظهر في 1942م.‏

- وأحدث معجم في هذا الميدان يحمل عنوان "العهد اليوناني الجديد" أي Greek New Testament)(28) .‏

وهذا إن دل على شيء فإنما يوضح أن فكرة الحقول الدلالية قد عرفها العرب منذ القرن الثاني للهجرة، أما الغرب فلم يعرفها إلا في القرن التاسع عشر وهو ما يبين مدى تقدم الفكرة عند الأولين وتأخرها عند المتأخرين مما يدفعنا اليوم إلى مزيد من البحث في هذا التراث واستجلاء كنوزه.‏

خاتمة‏

وأخيراً إن الحقول الدلالية مجال معرفي وعلمي كثيراً ما أهملته دراساتنا اللغوية عبر فترات من الزمن، على الرغم من أهميته في التحليل والتصنيف والفهم، وهو ميدان يبرز أن التراث اللغوي العربي لا يزال يحتفظ بعناصر حيوية وفاعلة، يحتاجها الدارس حين يود أن يضع نفسه في قوة اتجاه تراثه العظيم لينطلق منه للتزود من ثقافة الآخر، وبذلك يجمع ثقافتين الأولى أصيلة وراسخة رسوخ الرواسي، وأخرى حديثة تعد عاملاً أساسياً في التمدن ومسايرة ركب الحضارة الإنسانية.‏

(1) - عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، دراسة دلالية- الألفاظ الخاصة بالإنسان وحياته الاجتماعية والاقتصادية- رسالة ماجستير، مخطوط بمعهد اللغة العربية وآدابها، سنة 1995، ص:53.‏

(2) - ينظر محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط:7، سنة 1981، ص:154.‏

(3) - ينظر أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي عند العرب، ط:1، سنة 1987، ص:162.‏

(4) - ينظر الدكتور حسين نصار، المعجم العربي- نشأته وتطوره- دار مصر للطباعة، ج:1، ص:122.‏

(5) - ينظر د.حسين نصار، المرجع نفسه، ج:1، ص:123.‏

(6) - ينظر د.أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، دار الفكر، دمشق، سورية، ط:1، ص:306.‏

(7) - الهمذاني، عبد الرحمن بن عيسى الكاتب، الألفاظ الكتابية، راجعه وقدم له الدكتور السيد الجمييلي، دار الكتاب العربي، ط:2، 1998، بيروت، لبنان.‏

( - ينظر أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي عند العرب، ص:161.‏

(9) - ينظر أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص:161.‏

(10) -ينظر د.أحمد مختار عمر، علم الدلالة، عالم الكتاب، القاهرة، ط:2، سنة 1988، ص:90.‏

(11) - فندريس، اللغة، ترجمة عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص، مطبعة لجنة البيان العربي، القاهرة، 1950، ص:333.‏

(12) - ينظر د.كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، مكتبة الأنجلو المصرية، ط:2، سنة 1985، ص:294.‏

(13) - ينظر د.أحمد مختار، علم الدلالة، ص:303.‏

(14) - ينظر د.أحمد مختار عمر، المرجع السابق، ص:79، وعمار شلواي، المرجع السابق، ص:29.‏

(15) - Marcel Cressot, Laueance James, Le Style et ses Techniques, P.U.F., 11 édition; Paris; p:93.‏

(16) - أوديت بيتي، تحليل نصي للفصل الأول من كتاب طه الحسين "الأيام"، ترجمة بدر الدين عوردكي، مجلة المعرفة، العدد 182، نيسان 1977، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، سورية، ص:58.‏

(17) - محمد العبد، اللغة والإبداع الأدبي، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، ط:1، القاهرة، 1989، ص:80.‏

(18) - ينظر د.أحمد مختار عمر، المرجع السابق، ص:79، وعمار شلواي، المرجع السابق، ص:29.‏

(19) - ينظر د.أحمد مختار عمر، المرجع السابق، ص:85.‏

(20) - ابن سيده، أبو الحسن علي بن إسماعيل، المخصص، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، لبنان، ج:1، ص:10.‏

(21) - ينظر عمار شلواي، المرجع السابق، ص:31.‏

(22) - Georges, Mounin, Clefs pour la sémantique, édition Seghers, Paris, 1972.‏

(23) - د.أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، ص:303.‏

(24) - ينظر د.موريس أبو ناظر، مدخل إلى علم الدلالة الألسني، الفكر العربي المعاصر، عدد /18/19، سنة 1980، ص:35.‏

(25) - Voir, Adam Shaff, Introduction à la sémantique, Traduction du Polonais par Georges Lisovski, édition Anthropos. Paris, 2 édition; P:284.‏

(26) - بيير جيرو، علم الدلالة، ترجمة منذر عياشي، ط:1، ص:75.‏

(27) - ينظر د.كريم زكي حسام الدين، المرجع السابق، ص:296.‏

(28) - ينظر د.كريم زكي حسام الدين، المرجع السابق، ص: 296، وينظر عمار شلواي، المرجع السابق، ص:35، وينظر د.أحمد مختار عمر، المرجع السابق، ص:306.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
جذور نظرية الحقول الدلالية في التراث اللغوي العربي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
رنيم الحب :: القسم الادبي :: القصص القصيرة-
انتقل الى: